بعد الأحداث الأخيرة في الجزائر و المغرب واثر بعض المواقف التي تعرضت لها أثناء قيامي بعملي مدرسا للغة الألمانية رأيت أنه من الضروري الكتابة في هذا الموضوع نظرا لما يكتسيه في تقديري من أهمية كبيرة. سأبدأ بموقف حصل لي في القسم أثناء تدريسي لمحور يتحدث عن السياحة كانت فيه صور-مرسومة باليد- لسياح عراة يقومون بحمام شمس على متن باخرة سياحية؛ سمعت تلميذة تقول"استغفر الله استغفر الله؛ هذه لغة كفار فلماذا ندرسها؟". ولقد سمعت تقريبا نفس ردود الفعل في محور الأكل و الشرب عندما تحدثنا عن الخمر و الجعة و أخبرتهم أن الجعة ليست مجرد شراب في ألمانيا و إنما هي موروث ثقافي؛ و تتفاخر كل جهة في ألمانيا بإنتاجها لنوعها الخاص من الجعة. في الحالتين اللتين ذكرتهما كان يجب عليّ أن أتوقف عن سير الدرس "العادي" و أشرح للتلاميذ ضرورة فهم الاختلاف و تقبله؛ وأن ما هو أخلاقي عندنا قد لا يكون أخلاقيا عند غيرنا و العكس صحيح أيضا؛ و أن هذا لا يجب أن يمنعنا من قبول "الآخر" كما هو. كانت ردود الفعل مختلفة و كان النقاش حادا أحيانا بين التلاميذ بين موافق و معارض؛ ثم دق الجرس و خرج التلاميذ و كنت وقتها في موقف الأستاذ الذي لم يكمل درسه و هو ما سيجبرني على تعويض الوقت "الضائع" في الحصة القادمة حتى أتمكن من الانتهاء من البرنامج المسّطر من الوزارة و هو ما يعني أيضا أني لن أسمح لنفسي بمزيد من خسارة الوقت خاصة أننا في آخر السنة.
تبادر إلى ذهني السؤال التالي : هل دور مدرس اللغة أن يعلم التلاميذ بعض الكلمات الجديدة التي سينساها التلميذ ما إن يخرج من القاعة أو ما ان ينتهي من دراسته في المعهد؟ أين المحتوى الحضاري في معاهدنا اليوم؟ مفقود أو يمرر بطريقة غير مباشرة؛ و لا يقتصر ذلك على درس اللغات الاجنيبة فقط؛ بل يتعداه إلى درس العربية؛ يمضي التلميذ سنوات و سنوات يدرس" إبداعات" شاعر عاش في صحراء ويقف على الأطلال. لا وجود للآخر في مناهجنا؛ مع كل ما يحدث في العالم الآن يجب في تقديري التركيز على المحتوى الحضاري للدرس اللغوي و عدم الاكتفاء بالتراث و تعلم التخاطب.
هذا الغياب لصورة" الآخر" يملأه في المقابل حضور لصور مختلفة لهذا "الآخر" في الإعلام والتفكير العامي لا أبالغ ان قلت أن أغلبها سلبية و تساهم في تعميق الهوة بيننا و بين هذا "الآخر" " الكافر"؛ "الفاسد"؛"الظالم"؛ "العنصري"...الخ.
ان غياب "الآخر" في مناهج التعليم يجعل عقول الشباب تستهلك أنموذجا واحدا يروّج في الإعلام وشائع في التفكير العامي لأسباب تاريخية و سياسية و دينية. إننا نصنع شبابا لا يؤمن إلا بنفسه و مستعد لان يحمل حزاما ناسفا من اجل إثبات الذات و الدفاع عنها من هذا" الآخر" المخيف.
ان الأمور تزداد سوء مع كل الضغوطات و الظلم الذي أصبح يحس به الشباب العربي. ان مسؤولية هذا الجيل أن يحرص على تكوين فكر نقدي لدى الشباب العربي يسمح له بالتعامل بايجابية مع "الآخر"؛ لأن هذا سيزيده إيمانا بنفسه و سينير له الطريق للخروج من أزمته بتجفيف منابع الضعف في المجتمع العربي من أجل مجتمع أقوى قادر على حل مشاكله بطرق عقلانية تكون أكثر فاعلية من ردود الفعل العاطفية التي كانت و لا تزال سمة بارزة للتحرك الشعبي العربي تجاه قضاياه.
هناك 9 تعليقات:
Ravis qu'il ya des profs qui en sont conscient .. je recommanderais cette note à tous les profs que je connais ;)
Et puis ce que tu fais n'est nullement une perte de temps .. mieux vaut ne pas finir la lesson tout en donnant une autre plus importante .. plus utilie surtout
je pense qe le vrai probleme est le manque d'education , que nous portons au jeunes, ont leurs explique rien , on les laisse sans idéee sur la religion de ce aite ils sont faciles a prendre en charge par les fanatiques et autres ..ils devront comprendre que islam est tolerant qu'aucune religion ne donne un permis a tuer
يا ريتها الوزارة متاعكم تاخذ برأيك، أنا شخصيا موافقك على طول الخط، يا خويا اللعب ولاّ بعشانا والقنابل البشرية ضيّعت البوسطة، لازم حلول أنجع من الحلول الأمنية البحتة، وإقتراحك هذا هو جزء من الحل على المدى المتوسط والبعيد
Bravo Azizi Adem !
@montassar هناك الكثير من الاساتذة الواعين؛ لكن للاسف هناك ضغوط وموانع كثيرة
@ big trap boyصحيح خويا اللعب حراش او لازم تفكير جدي في الوضع
@zizou سعيد دائما بزيارتك
@hmayed مرحبا بيك؛ هذه اول زيارة لك لي اتمنى ان لا تكون الاخيرة
:)
راااائع يا آدم و بدون مجاملة
بل أزعم أن اقتراحك و ما تكتبه لا يقل أهمية عن المعالجة الأمنية، و دور رجال التعليم عموما محوري لكني أعلم أن كثيرين منهم يقومون بدور هدام من حيث يشعرون أو لا يشعرون و الضحايا هم أبنائنا
تحياتي
أخي آدم شكرا على الموضوع و لكن أعتقد أنه قبل تعديل موقفنا و رؤيتنا للآخر (كتوانسة/عرب ومسلمين) يجب أن نتصالح مع أنفسنا ومع هويتناو تراثنا بدون مبالغة أو تسخيف يعني إبراز أن تاريخنا فيه الغث والسمين وفيه ما هو جيد و نفتخر به و نتبناه و ما هو سيئ و نرفضه وندينه. أنا أعتقد ان الشخص المتصالح مع نفسه (هويته و تاريخه) يستطيع أن يقبل و أن يتعايش مع الآخر بدون عقد عكس الذي يعتقد أنه من "خير أمة أخرجت للناس" و أن الآخر (الغرب) كافر و في جاهلية. تماما كالذي يرى ان التقدم الحضاري هو بالتماهي والإندماج في الآخر الغربى ثقافة و أخلاقا. الرؤيتان قاصرتان ولكن مع الأسف الشديد هما الغالبتان اليوم في تونس وفي أغلب العرب و هو ما يفسر التطرف المستشري الذي نراه حولنا من الجانبين (عراء ونقاب، لباس أفغاني و بيرسينغ....) يعني حالة مزرية و ربي يستر و يقدر الخير لأن العجوز هازها الواد وهي تقول العام طهمة.
ملاحظة خارج الموضوع؛ خويا آدم( علمنا والله أعلم) أنك بصدد أعداد موقع جديد فيه أغاني لبلقاسم بوقنة فإنا أمتلك كل أغانيه بصيغة ( rm) و (mp3 ) فإذا أردت (ربحا للوقت) أن أمدك بها فهي لك.
تحياتي
@عماد
هناك الغث و السمين في كل الميادين
@طرفة
نعم سأكون سعيدا بمساهمتك
@tarafa
mon e-mail
adamsalhi@gmail.com
إرسال تعليق